الرؤية

بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين.

في هذه السطور أطمح أن أشارك القارئ رأياً هديت إليه ، و أن أشرح باختصار ماهية هذه المبادرة و دوافعها و أهدافها.

لقد قضيت جزءاً كبيراً من عمري أعمل في مجال البرمجيات. بين تخصصات عدة وكان من كرم الله أن من علي بأن أنظر فأرى أن الأمم التي يعتد بها في هذا المجال (الصين ، روسيا إلخ) يجمعها قاسم مشترك ، ألا وهو أنها تتعلم علومها بلغتها الأم.

و عندما قارنت تلك الحال بحالنا وجدتنا نتسابق إلى التبرء من لغتنا خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتعلم. فنظن أن من تحدث بلغة أجنبية أكثر فهماً و أوسع علماً.

وقد يقول قائل أن هذا أمر طبيعي ففي نهاية الأمر نحن لم نخترع هذه العلوم الحديثة و لذا يجب علينا أن نتعلمها بلغة من اخترعوها.

وفي هذا القول خلط بين مفهوم التعلم و المعرفة. فالتعلم هو فعل اكتساب معلومة محققة مسبقاً. بحيث يصبح المرء مستعداً لأن تغير تلك المعلومة المكتسبة من طريقة عمله و قد لا تتغير طريقة عمله ان لم يستحضر المعلومة تكلفاً. أما المعرفة فهي تغيير في طريقة رؤيتنا لمشاهد العالم. بحيث تتغير طريقة عملنا بشكل تلقائي دون تكلف استحضار ما تعلمناه.

فالفرق الرئيسي بين رئيس الطهاة و الطاه المبتدئ هو أن رئيس الطهاة يمكنه أن “يشعر” بالمقادير و الكميات و التواقيت دون الحاجة إلى وصفة ليتبعها. وقد لا يمكنه أن يشرح لنا سبب اختيار ما. و هذه المعرفة الحدسية هي نتيجة علم أمكن التفكر فيه أثناء الممارسة و لم يكن مجرد حركات ميكانيكية لا سياق لها.

وعندما كانت المعرفة تنتقل باللغة لا محالة. فاللغة هي الوعاء الذي لا يمكننا الشرب من دونه. أياً كانت مفردات تلك اللغة. و في اللغات المحكية يبدو الفرق الهائل بين التفكر باللغة الأم و التفكير باللغة المكتسبة – أياً كانت مرحلة الإتقان لها – فنحن قليلاً ما نفلح بتطوير معرفة حدسية من علم نتعلمه و نمارسه بلغة غريبة عن اللغة اللتي نحلم و نغضب فيها.

 و رأيت الفرق الهائل في فهمي الشخصي لكثير من الأمور التي كنت أتصور أنني فهمتها عندما قمت بتعريب المصطلحات. فهما حدسياً يتجاوز ما كنت أظنه فهماً من قبل. فمع حاجز اللغة الأجنبية كنت أقوم بترجمة الكلمات لا تصورها.

 

و هنا يبدأ الفرق بالظهور بين الترجمة و التعريب ، فالترجمة هي فعل نقل شكل الكلمة من لغة إلى أخرى ، أما التعريب فهو فعل نقل معنى الكلمة إلى العربية. و إليكم بعض الأمثلة:

-Algorithm: فالكلمة اشتهرت نسبة الى الخوارزمي ، و لكنها لا تستدعي إلى الذهن أي تصور عند سماع “خوارزمية” إلا ما تدربنا عليه. ولكن ان استبدلنا هذه اللفظة ب”الطريقة” فيمكننا الآن البدء برؤية المعنى المراد من الكلمة.

-Program: وترجمتها “برنامج” و هي كلمة أعجمية لا تعني لحدسنا العربي شيئاً. ان استبدلناها بكلمة “خطة” فأيضاً يبدأ معنى الكلمة بالظهور للعيان.

-Object Oriented Programming: و عادة ما تترجم إلى (البرمجة الموجهة للكائنات) و عندما نقارن الترجمة تلك بالتعريب ( التخطيط باستخدام الأفراد ) يبدو الفرق واضحاً جلياً.

و إلى جانب الفرق الواضح بين الترجمة والتعريب فقد لاحظت أن المسائل و الحلول و المشكلات سواء في علم الحاسوب النظري أو التطبيقي ليست بالصعبة على الفهم و الإدراك و لكن حاجز اللغة أدى بالكثيرين إلى فهم سطحي أو إلى تجنب الفهم و التزام الممارسة.

وهنا أقصد بحاجز اللغة إما الإنجليزية أو الترجمة الشكلية الفاقدة للمعنى فليس من العدل أن تكون المهارة في الإنجليزية متطلباً لفهم أحد علوم الرياضيات التطبيقية. و لا أعتقد أن نساء العرب قد عقمن عن إنجاب قادة للعلوم الحديثة و لكن نسعى أن نطلق تلك العلوم من قفصها الأجنبي.

كيفية العمل:

سيكون الجهد على نسقين إن شاء الله:

1.تعريب متسلسل لعلوم الحاسوب. بدءاً من المفردات وصولاً إلى مناهج.
2. تعريب المواد التي أقوم بدراستها الآن.

فالنسق الأول يتدرج في ترتيب متطلبات علم الحاسوب بالتعريب و إعادة الطرح أما الثاني فسيكون نتيجة تعريبي لما أدرسه في حياتي العملية. وقد يرد في مواد الفرع الثاني مصطلحات لم نقم بتدقيقها من قبل. فسنحاول جهدنا أن ندققها فيما بعد.

والحمدلله رب العالمين.