عندما بدأنا في تعلم أساسيات علم الحاسوب كانت هناك جملة دائمة التردد على أنها الأصل المراد لهذا العلم ، و لنا في هذا الباب نظر ان شاء الله ، و لكن أذكر إعجابي بتلك الجملة و منها سنبين الخلل في الاستخدام الشائع لمفردة “بيانات”.

سأذكرها بالإنجليزية في البداية ثم أحرر مفهومها المراد ثم الترجمة الشائعة الركيكة و بيان وجهي الإجحاف و في النهاية سنذكر المفردة المنضبطة التي سنستخدمها في القادم من دروس إن شاء الله.

مهمةعلم الحاسوب (كما درسناها):

“هي تحويل الdata إلى information.”

و المقصود هنا أن المهمة المنوطة بهذا العلم هو استقبال مجموعة من الأرقام – مثلاً – التي لا يظهر لها سياق أو معنى واضح و من ثم القيام بعمليات معينة لاستخراج ما يمكن استخراجه من معارف كامنة في تلك الأرقام.

فكأن الأمر أشبه بالنجارة مثلاً. يأتي للنجار أكوام من الخشب بلا شكل و لا فائدة فيقوم بصقلها و استخراج ما يمكن تلك الكومة أن تخرجه من أشكال (طاولة ، كرسي ، إلخ).

الترجمة:

وإذا أردنا أن نترجم تلك الجملة باستخدام الموارد المتاحة على الشبكة فأغلب الظن أننا سنخلص إلى الجملة الآتية:

” مهمة علم الحاسوب هي تحويل البيانات إلى معلومات “.

و قد تبدو جملة صحيحة للوهلة الأولى ، و هي كذلك ، صحيحة الشكل ولكن لا معنى لها.

الإجحاف:

وهناك إشكالان.

يكمن الإشكال الأول في ترجمة كلمة data بكلمة بيانات. فالأولى تفيد مجموعة غير مقيدة بسياق ولا معنى واضح. ككومة الخشب تلك. في حين أن كلمة بيانات و مفردها (بيان) لا توحي بذلك المعنى. بل على العكس تماماً ، فإنها ترسم صورة البيان و الإيضاح في ذهن المتلقي. و يحق له أن يسأل “و فيم حاجتنا إلى تحويل البيانات إلى أي شيء آخر ؟ “ و معه حق. فنحن أقررنا بأن ما يبدأ هذا العلم بالتعامل معه يحتوي معنى من البداية.

و بالعودة الى المثال فكأنما قررنا أن مهنة النجارة ما هي إلا تحويل طاولات الى طاولات أخرى.

أما الإشكال الثاني يبدأ بالإشارة إلى الفرق اللطيف بين المعلومات و البيانات. فالمعلوم هو ما استقر في ذهن ووعي المتلقي. أما البيان لا يلزم عنه استقرار في ذهن المتلقي ووعيه ولكن اللفظ يفيد أن الشيء واضح في ذاته لا لبس فيه.

فلا يمكننا أن نعلم إلا ما كان مبيناً. كما أنه لا يمكن أن نعلم غامضاً. و قد يكون المبين غير معلوم لبعض من يتلقونه. دون أن ينقص ذلك من بيانه شيئاً. ولكن لقصور في ذهن المتلقي لم يمكنه تحويل البيان إلى معلوم.

و هنا يتبين لنا الإشكال الثاني في أن استخدام كلمة معلومات و إن كان مقبولاً و لكنه استخدام غير دقيق البتة. فمن أين يتأتى لنا أن نفترض القدرة على انشاء المعلومات ؟ و لكن غاية ما نستطيعه هو أن نوضح ما تحتويه المعطيات من أنماط و للمتلقي بعد ذلك أن يعلمها أو لا.

التعريب:

“مهمة علم الحاسوب هي تقرير كيفية تحويل المعطيات إلى البيانات

فهنا نستخدم كلمة “المعطيات” للدلالة على data و لا يلزم من استخدام كلمة “معطيات” احتواءها على أي سياق أو معنى. بل غاية ما يستدل عليه منها هو أن أحدهم أعطانا شيئاً ما و لا علم لنا بماهيته و هذا المعنى أدق. و الألف و اللام لتخصيص ما استقبلناه من معطيات في وقت ما. و ليس لقصر العلم على نوع معين من المعطيات.

و الناتج من هذه العملية هو مجموعة “البيانات” بألف ولام للدلالة إما على استنفاذ كل السياقات الممكنة من المعطيات أو للدلالة على الوصول إلى بيانات بعينها (سيتضح الفرق عندما نناقش الغاية من علم الحاسوب ان شاء الله).

أما “تقرير الكيفية” فأيضاً شأنه في سياق آخر.

فبهذا أرجو أن يكون المولى قد وفقنا إلى بيان الإجحاف في الترجمة و إلى اختيار اللفظة المناسبة للتعريب.

والحمدلله رب العالمين.